تعريف القوة القاهرة في سياق نظام العمل السعودي

يقصد بالقوة القاهرة؛ حدثًا خارجيًا مفاجئًا وغير متوقع وخارِج عن إرادة أطراف العقد، بحيث يجعلُ تنفيذ التزاماتهما مستحيلًا استحالةً مطلقة. 

وبحسب المذكرة التفسيرية للوائح العمالية فإن “القوة القاهـــرة هي كل حدث لا يستطيع الإنسان توقعه ولا رده. وبما أنه حتى تؤدي القوة القاهرة لانفساخ العقد يجب أن تؤدي لاستحالة مطلقة دائمة حتى نهاية العقد, وليس مجرد صعوبة التنفيذ فحسب”

 ومن الأمثلة المعروفة لها – كما جاء في النصوص قانونية – حالات الحروب والفيضانات والزلازل والجائحات الوبائية العنيفة والحوادث الطبيعية الكبرى.

 بعبارة أخرى، القوة القاهرة ظرف استثنائي يستنزِل قدرة أي من الطرفين على الإيفاء بالعقد، فينتهي العقد بذلك تلقائيًا وفق شروط القانون.

النصوص النظامية التي تُجيز فسخ عقد العمل بسبب القوة القاهرة

ينصّ النظام السعودي للعمل صراحةً على “القوة القاهرة” كسبب مشروع لانتهاء العقد. 

فتنص المادة 74 من نظام العمل على أن «ينتهي عقد العمل في أي من الأحوال الآتية: … 5- القوة القاهرة.

 وبذلك تُعتبر القوة القاهرة أحد الأسباب القانونية المبيحة لانتهاء العقد دون أن يقع على أي طرفٍ عبءُ تعويضات إضافية تعسفية. 

كما تحكم أنظمة ولوائح تنظيم العمل الأخرى مسألة حماية الأطراف عند وقوع مثل هذه الظروف، وتُلزم صاحب العمل باتخاذ إجراءات معينة قبل الإقدام على فسخ العقد نهائيًا. 

بوجه عام، يتوقف أحكام فسخ العقد على نص المادة 74 كونها القاعدة الأساسية المُطبَّقة في هذا الشأن.

الفرق بين القوة القاهرة والظروف الطارئة في القانون

ثمة فارق جوهري بين “القوة القاهرة” و”الظروف الطارئة” من حيث المبدأ القانوني المطبق. 

فالقوة القاهرة تعني وقوع ظرف يُحكَم معه استحالة تنفيذ الالتزام «استحالة مطلقة، بينما ترخص نظرية الظروف الطارئة بالتعامل مع ظروف غير متوقعة تجعل تنفيذ الالتزام عسيرًا أو مُجهِدًا، لكنه يبقى ممكنًا وإن كان بضريبة عالية. 

بعبارة أخرى، يشترط في القوة القاهرة أن يكون التنفيذ مستحيلًا من الأصل،

أما الظروف الطارئة فيكفي فيها أن يُثقل الظرف كاهل أحد الطرفين دون الوصول إلى حد الإقصاء التام للأداء.

 كذلك، غالبًا ما تكون القوة القاهرة دائمة أو ممتدة بحيث تتطلب إسقاط العقد نهائيًا،

بينما تُعد الظروف الطارئة حالة مؤقتة تُبرّر تعليق الالتزامات أو تعديلها مؤقتًا دون إنهاء العقد.

 وتجدر الإشارة إلى أن قانون العمل السعودي نصّ صراحة على القوة القاهرة في أسباب إنهاء العقد (المادة 74)،

ولم يورد مفهوم «الظروف الطارئة» كسبب مستقل للفسخ، مما يضفي على القوة القاهرة قوة إلزامية وإجرائية أعلى في التطبيق العملي.

 

حقوق العامل عند فسخ العقد 

إذا فسخ العقد لعاملٍ بسبب ظروف قاهرة، فلا ينتقص من حقوقه المستحقة بحكم انتهاء العلاقة العمالية. 

فيلزم قانون العمل صاحب العمل بدفع كامل الأجور والبدلات المستحقة حتى تاريخ التوقف، ويحق للعامل الحصول على مقابل أي إجازات سنوية غير مستنفدة. 

والأهم من ذلك أن النظام يكفل للعامل مكافأة نهاية الخدمة الكاملة بناءً على مدة خدمته.

 فبحسب الآلية النظامية، تُحسب المكافأة بمعدل نصف راتب شهري عن كل سنة من السنوات الخمس الأولى، وراتب كامل عن كل سنة تالية.

 ويستحق العامل كامل هذه المكافأة في حالة إنهاء عقده لحكم مشروع (القوة القاهرة)، خلافًا لحالات الاستقالة التي تقلل من نسبة المستحق. 

بعبارة أخرى، يعامل فسخ العقد بقوة قاهرة كإنهاءٍ مشروع من جانب صاحب العمل، فيحصل العامل على جميع مستحقاته النظامية كاملة بما فيها مكافأة نهاية الخدمة المُحتسبة على أساس الراتب الأخير.

ولا يجوز اعتبار فسخ العقد لأسباب قاهرة «فصلًا تعسفيًا» يبرر تعويضًا خاصًا إضافيًا، بل يقتصر الأمر على الحقوق المقررة في النظام.

وينبغي أيضًا أن يسلم العامل شهادة نهاية الخدمة وكشوف المستحقات المفصلة عند الانتهاء.

دور وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية والقضاء العمالي في تفسير وتنفيذ هذه القاعدة

تلعب وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية دورًا حاسمًا في تفعيل أحكام فسخ العقد بسبب القوة القاهرة. 

فقد أصدرت الوزارة لائحة تنظيمية وإرشادات تفسيرية لتنظيم التعامل مع الظروف الاستثنائية والقوة القاهرة،

حددت بموجبها ضوابط وإجراءاتٍ يجب اتباعها، مثل استنفاد تخفيض الأجور والإجازات والاستعانة بالدعم الحكومي قبل اللجوء إلى فسخ العقد.

 كما أقرت الوزارة مذكرات توضيحية تشدد على أن الحصول على حق العامل يبقى مصانًا؛

فإذا تم إنهاء العقد بغير وجهٍ مشروع فإنه ” للطرف المتضرر الحصول على مستحقاته المقررة بموجب النظام أو العقد… على أساس الأجر الأخير قبل الظرف الاستثنائي”.

 وبالإضافة إلى ذلك، يمارس الوزير سلطة تنظيم سوق العمل بما يكفل حماية طرفي العقد،

وقد صدرت قرارات وزارية توضح إجراءات عمل اللجان العمالية وتغطي حالات القوة القاهرة.

أما القضاء العمالي (اللجان والمحاكم العمالية)، فينظر إلى حالات القوة القاهرة من منظور الشرعية العامة للعقود. 

فهذه الجهات تطبق المبدأ القائل بأن «من استحيل الوفاء بالتزامه انقضى التزام من يعامله»، وتتحقق من تحقق شروط القوة القاهرة على الوجه المطلوب. 

وبالنظر إلى أن إثبات الضرر والسبب الأجنبي المفاجئ يقع على من يدعيه،

فإن القضاء يشترط لتقرير الفصل العقدي لهذا السبب أن يجري في العرف استحالةٌ حقيقية للأداء. 

ويأخذ القضاة في اعتبارهم التفسيرات والقرارات الوزارية، ويحرصون على أن يحصل العامل دائمًا على حقوقه النظامية الكاملة إذا ثبت وقوع القوة القاهرة بالشكل الصحيح.

 وفي جملة القول، تضطلع الوزارة بتشريع وإرشادات تطبيقية للقضاء على ميعاد القوة القاهرة،

بينما يضمن القضاء حماية الحقوق ويراجع تطبيق المبدأ بما يتسق مع أحكام النظام وأصول الشريعة.

في الختام

تضع شركة المشورة للمحاماة خبرتها الطويلة ومكانتها المهنية في خدمة أصحاب الأعمال والمستثمرين في قضايا العمل. 

و نؤكد التزامنا التام بمتابعة التعديلات الجديدة في نظام العمل السعودي.

توفير الاستشارات القانونية المتخصصة التي تعكس ثقتنا بخبرة فريقنا وقدرته على تمثيل عملائنا بأعلى معايير الاحترافية والجدارة.