هل تواجه شركتك اضطرابات مالية تعرضها لخطر الإفلاس؟ هل تعلم أن نظام الإفلاس السعودي يوفر آليات جديدة مثل إعادة التنظيم المالي والتسوية الوقائية، لحماية الشركات من الانهيار بدلاً من التصفية؟
في هذا المقال نُجيب عن هذه الأسئلة ونسلط الضوء على إجراءات نظام الإفلاس السعودي المتعلقة بإعادة التنظيم المالي وحمايته، مع توضيح دور التسوية الوقائية والتصفية والفرق بينها.
نتعرف كذلك على المراحل العملية لهذه الإجراءات، وأهم القوانين والأنظمة الصادرة (بما في ذلك نظام الإفلاس الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/50) بتاريخ 28/5/1439هـ)، إضافة إلى العقوبات المقررة على إساءة استخدامها، مع توصيات عامة وأهمية الاستعانة بمحام مختص.
تعريف إعادة التنظيم المالي وأهدافه
إعادة التنظيم المالي هي أحد الإجراءات الرئيسة في نظام الإفلاس السعودي الجديد. يعرفها النظام بأنها “ إجراء يهدف إلى تيسير توصل المدين إلى اتفاق مع دائنيه على إعادة التنظيم المالي لنشاطه تحت إشراف أمين إعادة التنظيم المالي” بعبارة أخرى.
يتيح هذا الإجراء للشركة أو المشروع المتعثر إعادة هيكلة ديونه وجدولة سدادها بما يضمن استمرار نشاطه التجاري. ويُلجأ إليه عندما يعاني الكيان المتعثر أو المتوقع تعثره من اضطرابات مالية، وعليه يكون إعادة التنظيم أكثر فاعلية من التصفية النهائية.
تهدف إجراءات إعادة التنظيم المالي إلى حماية الشركات من الإفلاس وإعطائها فرصة لاستعادة توازنها المالي دون صرف النظر عن النشاط. فكما تنص مواد النظام.
يسعى الإجراء إلى تمكين المدين المُفلس أو المتعثر أو المُعرض لاضطراب مالي من التوصل إلى اتفاق مع دائنيه لتنظيم التزاماته المالية واستمرار نشاطه، مع مراعاة حقوق الدائنين على نحو عادل، كما تسعى الآلية إلى تعظيم قيمة الأصول وضمان توزيع مُنصف لحصائل البيع إذا دعت الحاجة لذلك.
من خلال إعادة التنظيم المالي، تُمنح الشركات المتعثرة فرصة لتعديل هياكل رأس المال أو الديون أو كليهما (مثل تمديد آجال السداد أو تخفيض نسب الدين أو تحويل دين إلى حقوق ملكية)، بما يتناسب مع قدراتها المستقبلية، ويُشرف على تنفيذ الخطة أمين لإعادة التنظيم المالي معتمد.
يتولى مراقبة فاعلية الإجراء وحماية مصالح جميع الأطراف المعنية.
مراحل إجراءات إعادة التنظيم المالي
تمُر إجراءات إعادة التنظيم المالي بعدة مراحل متتابعة لتفعيلها بنجاح. يمكن تلخيصها في الخطوات التالية:
1. تقديم طلب افتتاح الإجراء:
يبدأ الأمر بتقديم المدين أو الدائن (أو الطرف الآخر ذي المصلحة) طلبًا إلى المحكمة المختصة لفتح إجراء إعادة التنظيم المالي. وفقًا للمادة (13) من نظام الإفلاس.
يجوز التقدم بهذا الطلب إذا كان من المرجح أن يعاني المدين من اضطراب مالي أو إذا كان متعثراً أو مفلساً بالفعل، يجب إرفاق الطلب بالمعلومات والوثائق المالية اللازمة حسب متطلبات النظام. ولا يجوز التقدم بالإجراء إذا خضع المدين له أو لإجراء مماثل (للشركات الصغيرة) خلال الاثني عشر شهرًا السابقة.
2. قرار المحكمة بقبول أو رفض طلب الإجراء:
تحدد المحكمة موعدًا للنظر في الطلب خلال فترة لا تزيد على 40 يومًا من تاريخ إيداعه، ثم تُصدر المحكمة حكمها بإمكانية افتتاح الإجراء أو رفض الطلب. تفتتح المحكمة الإجراء إذا اقتنعت بإمكان استمرار نشاط المدين وتسوية ديونه خلال مدة معقولة،
وكونه مفلساً أو متعثراً أو معرضاً للتعثر، مع استيفاء الطلب المستندات المطلوبة، وإن تبين أن الطلب ناقص أو مقدم بسوء نية.
قد ترفض المحكمة افتتاح الإجراء، وقد تحول دون ذلك إلى إجراء إفلاس آخر مناسب، و عند قبول الطلب، يصدر حكم المحكمة ببدء إجراء إعادة التنظيم المالي.
3. تعيين أمين إعادة التنظيم المالي:
تنص المادة (50) على أن تصدر المحكمة حكمًا بتعيين أمين إفلاس لإدارة إجراء إعادة التنظيم المالي؛ ويمكن لمقدم الطلب أن يقترح اسم أمين من قائمة الأمين المعتمدة. يُراعى في اختيار الأمين خبرته المالية ومؤهلاته، ويكون للأمين دور محوري في الإشراف على تنظيم نشاط المدين وإعداد المقترح (الخطة).
4. إعداد خطة إعادة التنظيم المالي:
يعمل الأمين والمدين معًا على إعداد مقترح خطة إعادة التنظيم المالي ضمن الإطار الزمني الذي تحدده المحكمة، إذ يكون لدى المدين المعلومات الكاملة عن وضعه المالي ويقترح الحلول الأنسب لإعادة هيكلة الديون (كتمديد آجال السداد أو تخفيض نسبة الدين). كما يقدم الأمين تقريرًا للمحكمة حول مدى جدوى الخطة واحتمالات قبولها من الدائنين.
5. تصويت الدائنين على المقترح:
بعد إعداد الخطة، يدعو الأمين الدائنين المعتمدين (حاملين للمطالبات المُثبتة بحقه) إلى اجتماع للتصويت على المقترح. يجب إبلاغ الدائنين بموعد التصويت (شخصيًا أو إلكترونيًا) قبل موعده بمدة كافية، وإرفاق نسخة من المقترح. يُدلي الدائنون بأصواتهم وفقًا لنسب ديونهم، ويُعدّ المقترح مقبولًا عادة إذا صوتت فئات الدائنين المؤهلة بأغلبية معينة (وفق قواعد النظام) لصالحه.
6. مصادقة المحكمة على الخطة:
إذا أقر الدائنون المقترح بأغلبية الأصوات، يقدم الأمين طلبًا إلى المحكمة للتصديق على الخط، وتتحقق المحكمة من عدالة الخطة وشموليتها حقوق جميع الدائنين والفئات صاحبة المصلحة. في حال تبين أنه مقبول وعادل، تصدق عليه المحكمة رسميًا. كما يمكن للمحكمة، في بعض الحالات المحدودة، أن تلزم دائنين أو فئات معترضة بالموافقة إذا توفرت شروط محددة (مثلاً حصول الخطة على قبول من فئة واحدة على الأقل ونسبة تصويت معينة).
7. تنفيذ الخطة ومتابعة الإجراء:
بعد مصادقة المحكمة، يبدأ التنفيذ العملي لخطة إعادة التنظيم. يظل الأمين مشرفًا على تنفيذها، ويقدم للمدين دلالات للأداء وتوجيهات لضمان الالتزام بالخطة. وعند الانتهاء من تنفيذ الخطة، يقدم الأمين طلبًا أخيرًا للمحكمة لإنهاء الإجراء وتسوية الوضع المالي للمدين. ينتهي الإجراء بإغلاق الملف بعد التحقق من استيفاء المدين لالتزاماته الجديدة وتوزيع أي عوائد متفق عليها، وفقًا لقرارات المحكمة.
الإجراءات الموازية: التسوية الوقائية والتصفية والفرق بينها
يحتوي نظام الإفلاس السعودي على إجراءات أخرى ذات صلة بهدف حماية الشركات المتعثرة، منها التسوية الوقائية والتصفية. ويساعد فهم الفرق بينها في اختيار المسار المناسب:
- التسوية الوقائية: هي إجراء يتم قبل وقوع الإفلاس الكامل، ويطلق عليه البعض «إعادة التوازن المالي المُبكر». بموجبه يتقدم المدين من تلقاء نفسه بطلب للمحكمة لتجميد المطالبات لفترة مؤقتة وإعداد مقترح تسوية جديدة لديونه، مع احتفاظه بإدارة نشاطه بنفسه. هدف التسوية الوقائية تيسير اتفاق مع الدائنين قبل اندثار الشركة أو توقفها عن العمل. وهي أقل تشدداً من إجراءات الإفلاس الأخرى، ويُمنح فيها المدين دوراً أكبر في الإدارة دون غلق يد المحكمة عليه. يُطلب فيها من المدين تقديم مقترح تسوية يُصوت عليه الدائنون، وقد يُقابل لاحقًا بالتصديق القضائي على التسوية المتممة له.
- التصفية: هي إجراء قانوني نهائي يهدف إلى تصفية أصول المدين المتعثر وبيعها لتسديد الديون، ويتولى أمين تصفية مهمّة جمع مطالبات الدائنين وجرد الأصول وبيعها وتوزيع العائد على الدائنين. التصفية هي إجراء قاص يتم عندما لا يرى النظام أو المحكمة إمكانية لإنقاذ الشركة عبر الترتيبات السابقة. بخلاف إعادة التنظيم المالي، فإن التصفية لا تسعى لاستمرار نشاط المدين، بل إنتهائه وبيع أصوله.
الفرق بين الإجراءات: تلخيصًا، تهدف التسوية الوقائية وإعادة التنظيم المالي إلى إنقاذ الشركة والحفاظ على استمرار نشاطها بتسوية الديون، بينما تهدف التصفية إلى إنهاء نشاط المدين وتصفية أمواله. التسوية الوقائية لا تخرج يد المدين من إدارته لنشاطه (وهي عادة أولى إجراءات التعثر)،
أما إعادة التنظيم المالي فهي أكثر صرامة قليلاً وتشرف عليها المحكمة مباشرةً.
اما التصفية تأتي عندما يفشل أي اتفاق بين الأطراف ويتم التخلص من أصل الشركة. وبذلك تتدرج الإجراءات من الأكثر إنقاذًا إلى الأكثر إنهاءً.
القوانين والأنظمة ذات الصلة
ينظم نظام الإفلاس السعودي هذه الإجراءات بالتفصيل. صدر النظام بالمرسوم الملكي رقم (م/50) بتاريخ 28/5/1439هـ (14 فبراير 2018) ويُعمل به حاليًا. وقد جاء النظام متكاملاً ليحل محل نظام التسوية الوقائية القديم ويضيف إليه أدوات حديثة مثل إجراءات إعادة التنظيم المالي والتصفية الإدارية. كما شُكلت «لجنة الإفلاس» لتهيئة قوائم الأمناء والخبراء وتطوير اللائحة التنفيذية.
وبعد صدور النظام، أجرت الحكومة تعديلات فنية لضبط بعض إجراءات التطبيق. على سبيل المثال، في مارس 2020 وافق مجلس الوزراء على تعديل المادة (46) من النظام بما يتعلق بمدة تعليق المطالبات عند تقديم طلب إعادة التنظيم المالي.
حيث أصبح بإمكان المحكمة مد مدة تعليق الدعاوى لمنح وقت كافٍ لإعداد المقترحات.
كما صدرت تعديلات لائحة تنفيذية تفرق إجراءات الإفلاس إلى سبع فئات (منها الإجراءات الصغيرة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة) لتسهيل العملية. وبصفة عامة، ما زال النظام ساريًا دون تغييرات جوهرية، ويُستشهد به أمام القضاء عند الحاجة.
من الجدير بالذكر أن قواعد الإفلاس الأخرى (مثل نظام الشركات وقواعد المحاكم التجارية) تكمل تطبيقات نظام الإفلاس. لكن النص الأساسي المرجعي هو نظام الإفلاس المشار إليه، والذي جاء ليعزز بيئة الأعمال ويمنح الفرص لإنقاذ الشركات قبل انهيارها. لذا، يُنصح دائمًا بمراجعة آخر نسخة من نظام الإفلاس ولائحته التنفيذية للاستفادة من أية تحديثات قانونية.
أمثلة تطبيقية مختصرة
من الأمثلة الواقعية على تطبيقات النظام الجديد أن مجموعة سعد (Saad Group)، وهي مجموعة اقتصادية كبيرة تضم شركات في المصارف والخدمات الصحية، لجأت إلى إجراءات الإفلاس بموجب النظام الجديد بهدف إعادة هيكلة ديونها.
ففي عام 2019 تقدمت المجموعة بطلب للإفلاس أمام المحكمة التجارية في الدمام، بموجب النظام الذي يُسهل على الدائنين استرداد مستحقاتهم ويسمح بإعادة هيكلة الشركات المتعثرة. وقد كانت هذه الدعوى من أكبر ملفات الإفلاس في المملكة.
تكبدت المجموعة ديونًا ضخمة لم تقدر الشركات الكبرى سدادها. وتمثل هذه الخطوة سابقة مهمة،
حيث حقق النظام الجديد نجاحًا في تشجيع الدائنين والمحاكم على النظر في حل ودي لإعادة تشغيل نشاط المجموعة بدلاً من تصفيتها.
بالإضافة إلى ذلك، برزت حالات أخرى من دعم النظام الجديد لشركات أخرى متعثرة، حيث توفر الإجراءات عدداً من الخيارات القانونية المتدرجة قبل اللجوء إلى التصفية النهائية.
إن الاطلاع على هذه الأمثلة العملية يظهر كيف يمكن للإجراءات الوقائية وإعادة التنظيم المالي أن تحمي الشركات وتحقق التوازن بين أصحاب الحقوق في الاقتصاد السعودي.
العقوبات على إساءة الاستخدام والاحتيال
لتوفير ضمانات للعدل والمصداقية، تضمن نظام الإفلاس السعودي مجموعة من العقوبات على من يحاول استغلاله أو إخفاء الحقوق. تنص مواد النظام على تجريم بعض التصرفات التي قد يقوم بها المدين أو أطرافه ذوي العلاقة بهدف التلاعب بإجراءات الإفلاس.
فالمادة (203) تعاقب بالسجن (حتى خمس سنوات) وبالغرامة (حتى 5 ملايين ريال) من ارتكب أي جريمة منصوص عليها في النظام.
إضافةً إلى عقوبات إضافية بحق من يدير المنشأة ويخرق نظام الإفلاس.
يشمل ذلك حظر إدارة أي شركة أو المشاركة فيها، وحظر التصويت على قرارات الشركات أو تملك أسهم فيها بغير وجه حق.
كما يمكن للمحكمة، إلى جانب العقوبة، أن تقضي ببطلان التصرفات المجحفة التي قام بها المدين.
ايضا ً إلزامه برد الأصول المبيعة أو تحويلها إلى أمين الإفلاس.
وينص النظام كذلك على مضاعفة العقوبة في حالة التكرار خلال ثلاث سنوات،
ويُلزم أمين الإفلاس بإبلاغ الجهات القضائية المختصة إذا وُجد اشتباه بارتكاب جرائم إفلاس.
كل ذلك يثبت أن النظام بالمملكة لا يكتفي بإعطاء حماية قانونية للمدين المتعثر، بل يُحذر بحزم من المحاولات الاحتيالية التي قد تشوه سير إجراءات الإنقاذ.
فإساءة استخدام الإجراءات أو إخفاء الأموال قبل فتحها قد تؤدي إلى غلق الباب أمام التسوية وحكم قضائي مشدد بإنهاء الإجراءات.
ايضاً وقوع العقوبات المنصوص عليها.
خاتمة وتوصيات
في ضوء ما سبق، يتضح أن إجراءات إعادة التنظيم المالي ضمن نظام الإفلاس السعودي تشكل أداة قانونية قوية لدعم الشركات المتعثرة.
كما لأنها اداة لمنع الإفلاس الكامل.
وقد أحدثت هذه الإجراءات نقلة نوعية في تشريعات الإفلاس بالمملكة.
هذا من خلال التركيز على الحفاظ على النشاط الاقتصادي وحماية أصحاب الديون على حد سواء. ومع ذلك، يظل تطبيق هذه الإجراءات معقدًا ويتطلب فهمًا دقيقًا للشروط والإجراءات والقوانين ذات الصلة.
لذا نوصي أصحاب الأعمال ورواد المشاريع بالحذر والاستعانة بمحامٍ مختص في جميع مراحل الإفلاس وتسوية الديون،
لضمان احترام كافة إجراءات التقاضي وحماية مصالحهم القانونية.
ومن المهم التنبيه إلى أن كل شركة وحالة مالية تختلف ظروفها، وما يصلح لآخر قد لا يكون مناسبًا لك. لذا، فإن الاستشارة القانونية المتخصصة تضمن اختيار الإجراء الأمثل.
سواء التسوية الوقائية أو إعادة التنظيم المالي – بما يتماشى مع واقع النشاط وقدراته على الاستمرار.
إن الخبراء في قانون الإفلاس يتابعون آخر التعديلات والتفسيرات القانونية؛ واستشارتهم توفر لك السلامة وتجنب الأخطاء المكلفة في إجراءات الإفلاس.
وأخيرًا، شركة المشورة للمحاماة مستعدة لدعم عملائها خلال كافة مراحل إجراءات الإفلاس وفق أعلى المعايير المهنية. حيث يلتزم محامونا المختصون بتقديم استشارات قانونية ومرافعة قضائية دقيقة تضمن حماية حقوقكم وإدارة الإجراءات بكل حرفية.
هذا الإلتزام لضمان تنفيذ حلول إعادة التنظيم المالي أو التسوية الوقائية بكفاءة وثقة تامة.