تكتسب مسألة الفصل التعسفي أهمية خاصة في ضوء حرص قانون العمل السعودي على تحقيق التوازن بين حقوق العمال والتزامات أصحاب العمل.
فالفصل التعسفي يضر باستقرار العامل ويهدد ثقة الموظفين في بيئة العمل، كما يضع عبئًا قانونيًا على المنشأة.
تدعو الحاجة، إذًا، إلى فهم مفهوم الفصل التعسفي وتعريفه بدقة، والاطلاع على ضمانات النظام السعودي لحماية العامل،
والمآخذ المترتبة عليه من الناحيتين القانونية والنفسية والمادية.
يشير الفصل التعسفي إلى إنهاء عقد العمل من قبل صاحب العمل دون وجود سبب قانوني مشروع أو اتباع الإجراءات المحددة،
وهو ما يخالف أحكام نظام العمل ويرتب حقوقًا للعامل.
ويعرفه الخبراء بأنه الإنهاء “ لأسباب غير مشروعة وغير مبررة ” أي بلا دافع نظامي معتمد.
وتظهر خطورته في أنه يعتبر خرقًا لحقوق العامل وأساسًا لالتزام صاحب العمل بالتعويض.
تعريف الفصل التعسفي وفق نظام العمل السعودي
حسب نظام العمل السعودي، الفصل التعسفي هو إنهاء عقد العمل بقرار من صاحب العمل دون سبب مشروع، وبدون مراعاة لأيٍّ من حالات الإنهاء القانونية المنصوص عليها في النظام.
فقد نصت الفقرة الافتتاحية لنظام العمل على أن إنهاء عقد العمل يكون وفقًا لأحكام محددة؛ وبالتالي فإن أي فصل يخرج عن تلك الأحكام يُعتبر تعسفيًا.
وعلى هذا الأساس، يعد الفصل التعسفي انتهاكًا لحقوق العامل ويمس مبدأ العدل الذي يكرسه القانون في علاقات العمل.
الشروط التي تجعل من الفصل فصلًا غير مشروع
ينشأ الفصل التعسفي أساسًا عندما يُنهي صاحب العمل عقدًا خارج نطاق الأسباب والإجراءات المشروعة.
يحدد نظام العمل حالات الإنهاء المقبول حصرًا في نصوص محددة (مثل المادة 74 التي تتناول انتهاء العقد بانتهاء المدة أو بالتراضي،
والمادة 80 التي تجيز للفصل بدون تعويض في حالات خاصة أخلاقية أو أداء جسيم، والمادة 81 التي تبيح للعامل إنهاء العمل لأسباب معينة دون تعويض).
وبناءً عليه، إذا لم يكن الفصل مبنيًا على أي من هذه الحالات القانونية، بل قام به صاحب العمل بإرادته المنفردة دون مبرر مشروع.
فإنه يُعد غير مشروع ويصنف كفصل تعسفي.
كما يُعتبر أي فصل ينتهك شروط المدة أو الإشعار (المواد 75، 76 من النظام) غير مشروع إذا لم يتم احترام مدة الإشعار المتفق عليها.
باختصار، الفصل يكون تعسفيًا إذا لم يستند إلى سبب مدون في النظام أو في بنود العقد
(وإن كان العقد لا يجوز أن يخالف النظام)، وفي هذه الحالة يُلزم القانون صاحب العمل بدفع تعويض للعامل.
حماية العامل ضد الفصل التعسفي (المواد ذات الصلة)
يكفل نظام العمل السعودي حماية العامل من الفصل التعسفي عبر عدة أحكام صريحة:
- المادة 77 من نظام العمل: تنص على حق الطرف المتضرر (سواء كان العامل أو صاحب العمل) في التعويض إذا أُنهى العقد “لسبب غير مشروع”.
فينبغي لصاحب العمل أن يدفع للعامل المفصول تعسفيًا تعويضًا ماليًا محددًا بحسابه القانوني.
- المادة 64 من نظام العمل: تلزم صاحب العمل بإعطاء العامل شهادة خدمة عند انتهاء العلاقة التعاقدية، تشتمل على تاريخ التعين والانتهاء والراتب الأخير دون تسجيل أي عبارة مسيئة أو تشهيرية بحقه.
ويفرض النظام أيضًا إعادة جميع الوثائق أو الشهادات التي سلمها العامل لصاحب العمل عند انتهاء العلاقة التعاقدية.
- حق التظلم القانوني: يتيح نظام العمل للعامل المتضرر تقديم شكوى إلى وزارة الموارد البشرية أو إلى مكتب العمل مبكرًا، ومن ثم إحالتها إلى المحكمة العمالية إذا تعذّر حل النزاع وديًا.
وبذلك يُوفّر النظام أطرًا قانونية للطعن في الفصل التعسفي ومطالبة المستحقات، بما يحفظ للعامل حقوقه.
- سائر المستحقات النظامية: يحفظ النظام للعامل المفصول تعسفيًا جميع حقوقه المالية مثل الأجر عن الأيام غير المدفوعة، وبدل الإجازات غير المستنفذة.
وغير ذلك من المستحقات المنصوص عليها (المواد 75–76 و88 وغيرها). فالنظام يشترط تسوية كامل مستحقات العامل خلال أسبوع من تاريخ الفصل.
التعويض والإجراءات العمالية
في حال وقوع فصل تعسفي، تكون الآثار القانونية واضحة:
- التعويض المالي: يلتزم صاحب العمل بدفع تعويض مالي للعامل المفصول تعسفيًا حسابًا على أجره الأخير وزمن خدمته.
ووفق المادة 77، يحسب التعويض كالتالي:
“أجر خمسة عشر يومًا عن كل سنة من سنوات خدمة العامل إذا كان العقد غير محدد المدة،
وأجر المدة الباقية من العقد إذا كان العقد محدد المدة، على أن لا يقل التعويض إجمالًا عن راتب شهرين.
وهذه النسبة القانونية تضمن حق العامل في تعويض يوازي الضرر الناتج عن الفصل.
- تعويض مهلة الإخطار: إذا أتمم صاحب العمل إنهاء العقد دون سابق إشعار أو قبل انقضاء فترة الإشعار المتفق عليها، فعليه تعويض العامل بمبلغ يعادل أجر مدة الإشعار المتبقية.
- مكافأة نهاية الخدمة: لا يفقد العامل حقوقه المالية مثل مكافأة نهاية الخدمة أو مستحقات الأجر عن أيام العمل المنجزة عند الفصل التعسفي. يظل العامل مستحقًا كامل مكافأته عن سنوات الخدمة وفق قواعد المادة 84.
- إجراءات التقاضي: يتعين على العامل المتضرر توثيق حالة الفصل (مثل خطاب فصل أو بريد إلكتروني من صاحب العمل)
وتقديم شكواه إلى مكتب العمل في ظرف أسبوعين من تاريخ الفصل،
يدرس مكتب العمل النزاع ومحاولة الصلح، فإذا لم يفلح ذلك خلال 21 يومًا تُحال القضية إلى المحكمة العمالية للفصل فيها،
وتقوم المحكمة ببحث مدى مشروعية الفصل وحساب التعويض المستحق.
في ضوء ما سبق، يكون الفصل التعسفي موجبًا لتعويض مادي للعامل.
إضافة إلى أية مستحقات أخرى لن يفقدها، مثل الأجر الكامل عن أيام العمل المنجزة وبقية الإجازات.
ويُذكّر القانون صاحب العمل بوجوب إصدار شهادة خدمة للعامل عند انتهاء العلاقة دون إساءة بحقه.
كما يتمتع العامل بحماية اجتماعية عبر نظام “ساند” للتأمين ضد البطالة (للعامل السعودي)، ما يخفف تأثير فقدان الوظيفة الخارجي عن إرادته.
الأثر السلبي على العامل نفسيًا وماديًا
الأثر النفسي: يترتب على الفصل التعسفي ضغوط نفسية كبيرة على العامل، فهو يشعر عادة بصدمة وقلق وخوف من المستقبل؛ إذ تفقده الوظيفةَ مصدر رزقه وأمنه المهني فجأة.
وقد يؤدي ذلك إلى تدهور الحالة النفسية (انخفاض الثقة بالنفس، الاكتئاب، التوتر المستمر).
خصوصًا إذا لم يجد بدائل عمل سريعًا أو ضاع حقه بالاستمرار بعد أن أثبت جدارته.
الأثر المادي: يجلب الفصل التعسفي مشاكل مالية فورية للعامل وأسرته، حيث يفقد دخله الثابت ويواجه التزامات مالية (كالقروض والإيجار والالتزامات الأسرية).
كما يتكبد تكاليف جديدة للبحث عن عمل، وربما تنخفض قدراته التنافسية في سوق العمل بسبب الفجوة الوظيفية المفاجئة.
وبالتالي، فإن الفصل التعسفي يُهدر استقرار العامل المهني والاجتماعي، مما قد يؤثر أيضًا على صحته البدنية نتيجة ضغوط العيش.
تأثيرات مرتبطة: بالإضافة إلى ما سبق، قد يشعر العامل بالظلم والغضب نتيجة فصل لم يقترفه من جريمة أو إخلال جسيم.
وتتسبب حالة الإحباط هذه في ضعف الروح المعنوية لديه، وقد تمتد إلى أحواله العائلية (توتر المنزل بسبب فقدان الراتب).
كل ذلك يبرز أهمية وجود قواعد واضحة تسهل عليه إثبات تعرضه للظلم الوظيفي والحصول على تعويضه دون تأخير.
الأثر السلبي على المنشأة (السمعة والمسؤولية القانونية)
يتحمّل صاحب العمل تبعات قانونية واقتصادية من جراء الفصل التعسفي أيضًا.
فعلى الصعيد القانوني، يترتب عليه دفع تعويضات مالية كبيرة للعامل، وقد يواجه دعاوى قضائية وتكاليف تفاوض وتسوية إن طالبت المحكمة بذلك.
كما يؤدي تكرار أو انتشار حالات الفصل التعسفي داخل المؤسسة إلى تقويض سمعتها المهنية بين القوى العاملة.
مما قد يصعب عليها توظيف أو الاحتفاظ بالكوادر المميزة مستقبلاً.
وقد يتأثر تصنيف المنشأة في برامج توطين الوظائف (السعودة) إن كان الفصل التعسفي يشمل العامل السعودي، مما يضاعف من مسؤوليتها القانونية والاجتماعية.
أيضًا يؤثر الفصل التعسفي على بيئة العمل الداخلية؛ إذ يشعر الموظفون الآخرون بعدم الأمان والرضا الوظيفي، وقد تتراجع الإنتاجية بسبب القلق على وظائفهم.
ولهذا، فإن تجاوز صاحب العمل للإجراءات القانونية يُلقي بتداعيات سلبية على سمعة المؤسسة أمام الجمهور والسلطات الحكومية ذات الصلة،
وقد يفرض ذلك غرامات أو التزام بإصلاح مخالفات (طبقًا لتقدير الجهات الرقابية)، فضلًا عن إهدار التكاليف المرتبطة بتعيين وتدريب موظف جديد عوضًا عن العامل المفصول.
أهمية توثيق العقود وسياسات الموارد البشرية
يشدد نظام العمل على تدوين العلاقة التعاقدية بين الطرفين كتابةً لإثبات الحقوق والواجبات.
فالمادة 51 تشترط أن يكون عقد العمل محرر من نسختين بيد كل طرف نسخة ويحتوي على بنود أساسية.
وإذا لم يكن العقد كتابيًا، يحفظ النظام حق العامل في إثبات العقد وجميع حقوقه بواسطة الأدلة (مراسلات إلكترونية، إثبات الحضور، إلخ).
وبالمثل، يُنصح أصحاب العمل بوضع سياسات داخلية واضحة (مناوبات، انضباط، إنهاء خدمة).
وتتبعها، بحيث يكون الإنهاء مبررًا ومحفوظًا بالأدلة (إنذارات كتابية، تقارير أداء).
فوجود لائحة موارد بشرية موثقة ولوائح جزائية داخلية يساعد في تجنب النزاعات ويريح الطرفين عند تطبيق الإجراءات.
في النهاية، يُعد توثيق العقود والسياسات الوقائية سلاحًا أساسيًا لإثبات الحق في حال نشوب خلاف حول الفصل.
التوصيات العملية
-
توصيات للعامل:
- احرص على توقيع عقد عمل موثق (مكتوب) واحتفظ بنسخة منه، متنبهًا لبنود الإنهاء والمكافآت فيه.
- دوّن أي مراسلات أو تنبيهات تتعلق بأدائك أو تواصلك مع الإدارة، فهذه الأدلة مهمة عند الحاجة لإثبات الفصل.
- إذا شعرت بأنك مُنهي خدمتك تعسفيًا، فراجع خدمات الموارد البشرية والجهات الرسمية، وقدّم شكوى مبكرًا.
فالمهلة القانونية لتقديم شكوى مكتب العمل قصيرة.
-
- اطلب شهادة خدمة عند انتهاء العقد، وافحص بدقة ما قد يقوله صاحب العمل فيها، لتضمن عدم تضمين عبارات تؤثر على سمعتك.
-
توصيات لصاحب العمل:
- التزم دومًا بالأسباب القانونية للإنهاء المنصوص عليها في نظام العمل (راجع المواد 74، 80، 81).
ولا تلجأ للفصل إلا في الحالات المصرح بها، مع توثيقها كتابيًا (مثل إنذارات خطية أو تقرير عاجل عن الخروقات).
-
- احترم إجراءات الإشعار بحسب المادة 75–76، وأدِّ أجر الإشعار إذا لم تتمكن من الإعطاء، بالإضافة إلى تعويض الفصل عند الضرورة.
- صغّ سياسات واضحة (كتابات ترحيبية أو متطلبات وظيفية) وأفصح عنها للموظفين،
بما في ذلك تعليمات الأمن والسلامة وسياسات السلوك ، فذلك يمنع الخلاف على “جسيمية” المخالفة ويوفر بيئة عمل آمنة.
-
- استشر مستشار قانوني أو اداري مختص قبل إنهاء خدمة أي عامل تعسفيًا؛ فإن إهمال ذلك قد يكلف المنشأة تعويضًا كبيرًا ويؤذي سمعتها دون داعٍ.
باتباع هذه الإجراءات والالتزام بأحكام النظام السعودي حصريًا، يمكن تقليل النزاعات المتعلقة بالفصل وتحقيق بيئة عمل عادلة ومستقرة للجميع.
في نهاية المطاف، يمثل الالتزام بالنظام وحماية العامل من الفصل التعسفي عاملًا رئيسيًا لضمان استقرار ونجاح بيئة العمل،
ويحد من المخاطر القانونية والمالية على أصحاب المنشآت.
وهنا يظهر الدور المحوري لـ شركة المشورة للمحاماة، حيث تقدم خبرة قانونية متكاملة.
وتشمل صياغة ومراجعة عقود العمل، اعتماد لوائح العمل.
ومتابعة النزاعات العمالية لضمان حماية حقوق العامل وصون مصالح المنشأة معًا، سواء امام المحاكم العمالية او جهات التحكيم المختلفة.
اعتمد على المشورة لتضمن إدارة عقود وعلاقات عمل واضحة، عادلة، وآمنة، تعزز النجاح والاستقرار في بيئة الأعمال السعودية.