ما مدى الحماية الجنائية للشيك التي يوفرها النظام السعودي؟ وما هي العقوبات القانونية لإصدار شيك بدون رصيد؟
في بيئة تجارية متسارعة تعتمد على الثقة والالتزام، يُعد الشيك أداة وفاء لا تقبل التهاون،
ويكتسب في المملكة العربية السعودية حماية قانونية خاصة بموجب نظام الأوراق التجارية.
فالنظام السعودي لا ينظر إلى الشيك كأداة مالية عادية، بل كـ”ورقة تجارية ذات طابع جنائي” تستلزم وجود غطاء نقدي لحظة الإصدار،
وتُجرم أي محاولة لإصداره دون رصيد كاف أو بسوء نية.
ولهذا، تضمن النظام عقوبات جنائية صارمة ضد من يصدر شيكات بدون رصيد أو يسيء استخدامها.
تتراوح العقوبات الجنائية ما بين الغرامة المالية والسجن والمنع من مزاولة بعض الأنشطة.
هذا المقال يستعرض بصورة وافية: حدود الحماية الجنائية للشيك، وآلية تطبيق العقوبات، وموقف النظام السعودي من الشيكات المرتجعة، وأثر هذه الإجراءات على المتعاملين (سواء مُصدر الشيك أو حامله)، مع إشارة إلى أحدث الأنظمة والتعديلات ذات الصلة.
الحماية الجنائية للشيك في النظام السعودي
يحظى الشيك بمعاملة خاصة في النظام السعودي: فبينما تُعالج الأوراق التجارية الأخرى غالبًا كحقوق مدنية والتزامات تعاقدية، منح المشرع السعودي الشيك عقوبات جنائية إضافية لحمايته.
بحسب نظام الأوراق التجارية السعودي، يتطلب إصدار الشيك وجود رصيد مالي كاف لدى المسحوب عليه وقت إنشائه، فإذا أصر الساحب على تحرير شيك دون وجود مقابل وفاء (رصيد)، فإن هذا الفعل يُشكّل جريمة جزائية.
تسري ضد مرتكبي هذه الجرائم أحكام المواد (118-121) من النظام، حيث تحدد إجراءات التظاهر، والقبول، وتقديم الشيك، كلها أحكامًا تخدم ضمان الوفاء.
وقد شُدّدت هذه الأحكام بالمرسوم الملكي م/45 لعام 1409هـ (1989م) ، فتضمّنت عقوبات بالحبس (حتى 3 سنوات)
وبالغرامة (حتى 50 ألف ريال) على من أقدم بسوء نية على أفعال معيّنة متعلقة بالشيك.
أقر النظام السعودي أن الجرائم المتعلقة بالشيك، مثل إصداره بدون رصيد أو تزوير توقيعه.
تُعد من الجرائم العمدية التي لا تقوم إلا بتوافر القصد الجنائي لدى الجاني، أي أن ارتكابها يكون عن علم وإرادة، وليس نتيجة خطأ أو إهمال.
وانطلاقًا من ذلك، لم يكتفِ المشرع بإقرار التعويض المدني لصاحب الحق، بل نصّ على عقوبات جنائية صارمة تهدف إلى حماية الثقة العامة في الشيك كأداة وفاء.
فالدولة تتدخل لحماية ما يُعرف بـ”الحق العام”، بما يضمن ردع محاولات الاحتيال التي قد تؤثر سلبًا على المعاملات التجارية والاستقرار الاقتصادي في المملكة.
الجرائم المتعلقة بالشيكات وعقوباتها
أبرز الجرائم المرتكبة حول الشيك في المملكة العربية السعودية تتصل أساسًا بنقص الرصيد أو سوء النية عند التداول. وتتمثل فيما يلي (مع ذكر عناصر الجريمة والعقوبة المقررة):
-
إصدار شيك بدون رصيد أو برصيد غير كاف:
يشترط النظام أن يكون لدى الساحب لدى المسحوب عليه نقد كافٍ عند تحرير الشيك، فإذا قام الساحب بإصدار شيك وهو يعلم – أو يتعذّر عليه إنكاره –
أيضاً عدم وجود مقابل كافٍ أو أنه أقل من قيمة المبلغ المكتوب.
يعدّ ذلك جريمة عمدية (يستلزم القصد الجنائي). وعناصرها: سحب شيك وتوقيعه من صاحب الحساب وهو يعلم أن الرصيد لا يكفي دفع قيمته.
العقوبة: وفق المادة 118 يعاقب بالسجن مدة تصل إلى 3 سنوات وبغرامة تصل إلى 50 ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين،
وإذا كرّر المتهم فعلته خلال ثلاث سنوات من الحكم عليه، تصل العقوبة إلى السجن 5 سنوات والغرامة 100 ألف.
-
استرداد مقابل الوفاء جزئيًا بعد إصدار الشيك:
وهي الحالة التي يقدم فيها الساحب شيكًا حين كان لديه رصيد، ثم يسترده بعد ذلك (بسحب مبلغ جزئي أو كامل) بحيث ينخفض الرصيد المتبقي تحت قيمة الشيك. يعتبر هذا فعلًا موجهاً لنفس الغرض: حرمًا لحامل الشيك حقه وكأن الشيك أصبح بلا مقابل.
وعناصر الجريمة: إصدار شيك برصيد كاف، ثم سحب مبلغ من الحساب بعد التظهير أو الاستلام بما يخفض الرصيد دون التغطية الكاملة.
العقوبة: تشابه عقوبة الشيك بدون رصيد السابقة (حسب المادة 118) ، إذ يُعد سحب المبلغ بعد إصدار الشيك مع علم الساحب بأن الباقي غير كافٍ فعلًا معاقبًا.
-
الأمر بعدم الدفع (الامتناع):
عندما يُصَّدر الشيك بشكل صحيح وله مقابل، ثم يصدر الأمر للمصرف بعدم صرف قيمته (أي يمتنع المسحوب عليه عمداً عن الوفاء) بأسباب غير مشروعة. تكمن جريمة هذا الفعل في «سوء النية» والمسعى لحرمان الحامل من حقه رغم توفر شروط الدفع.
وفق المادة 119 من النظام، فإن من يرفض عمداً ودون مبرر قانوني صرف شيك صحيح لديه مقابل وافٍ، يُعاقب بغرامة مالية لا تزيد على 100 ألف ريال،
مع مراعاة تعويض الساحب عمّا أصابه من ضرر.
-
التظهير أو التسليم بسوء نية:
يشمل ذلك كل من المظهر (نواقل الشيك) والمستفيد أو الحامل الذي يستلم شيكًا ويعلم أنه لا مقابل له.
فعلى سبيل المثال، إذا قام شخص بتظهير شيك لمستفيد جديد وهو يعلم أن الرصيد غير كافٍ أو أنه لن يُصرف أصلًا، فإنه يرتكب جريمة. كما أن لحامل الشيك (أو المستفيد) دورًا مماثلاً إذا استلم شيكًا بقصد حصوله على مستحقات دون وجه حق.
نصت المادة 118 على معاقبة كل من أظهر أو سلم شيكًا وهو يعلم أنه ليس له مقابل يفي بقيمته،
وبالمثل، يعاقب القانون كل حامل شيك يتلقاه بسوء نية بمعرفة عدم وجود رصيد كافٍ لدفع قيمته،
العقوبة: تندرج هذه الأفعال ضمن ذات حكم المادة 118 (حبس 3 سنوات وغرامة 50 ألف). ويراعي النظام أيضًا زيادة العقوبة عند العود خلال ثلاث سنوات.
-
الجرائم الشكلية والإدارية:
أضاف النظام جنائية لبعض المخالفات الشكلية التي لا تؤثر في صحة الشيك، لكنها تنطوي على تهاون قد يضر بالتعاملات. فعلى سبيل المثال، إصدار شيك بلا تاريخ أو بتاريخ غير صحيح يُعاقب عليه بنظام الجزاءات بإحدى قيمتين: حبس أو غرامة.
كذلك تُعاقب مادة 120 على كل من سحب شيك على غير بنك أو صرف شيك خالٍ من التاريخ، وتكون العقوبة غرامة مالية لا تزيد على 10 آلاف ريال.
كما أُضيفت في التعديل المادة 121 بإمكان نشر أسماء المدانين ضمن هذا النظام، لتعزيز التأثير الردعي.
-
تزوير الشيك:
من الجرائم المرتبطة بالشيك أيضًا استخدام بيانات كاذبة أو تزوير التوقيع والختم.
وإن لم ينص نظام الأوراق التجارية صراحةً على “تزوير الشيك” كبند مستقل،
فإن النظام الجزائي لجرائم التزوير يعاقب كل من زوّر محررًا مصرفيًا،
بما في ذلك الشيك. فالمشرع عامَّ تعريف التزوير ليشمل كل تغيير عمدي في محرر يؤدي إلى ضرر،
وعليه، يعتبر تعديل مبلغ الشيك أو توقيعه غير الموثوق جزءًا من صور التزوير،
ويعاقب عليه بالسجن (حتى 3 سنوات) والغرامة (حتى 300 ألف) عمومًا. وإن بقيت عقوبة التزوير العامة، فإن سياق حماية الأمانة التجارية يشمل الشيك بذات الدرجة.
التعديلات القانونية الحديثة
أدخلت أهم التعديلات على قانون الشيكات السعودي بمرسوم ملكي رقم (م/45) بتاريخ 12/9/1409هـ (1989م).
حيث عدل نصوص المواد (118، 119، 120) من نظام الأوراق التجارية على الوجه المبين أعلاه،
وأضيفت مادة (121) تنص على نشر أسماء المدانين بهذا النظام،
وبخلاف هذه التعديلات، فإن نظام الشيكات ظلّ في صورته الأساسية ثابتًا حتى الآن، دون تغييرٍ جذري حديث في مواد العقوبات.
(ومع ذلك، يجري أحيانًا تحديث اللوائح الفنية أو قرارات النيابة العامة التنفيذية،
لكن جوهر قانون الشيكات كما في المراسيم المشار إليها هو الساري المفعول).
وقد جاء التعديل بأثر ردعي، فرفع الغرامات وحدّد آليات تطبيق العقوبات بما يتناسب مع قيم الشيكات .
كما تعاقب المتسببين مجددًا خلال ثلاث سنوات.
في الختام، يظل الشيك أداةً نقديةً مضمونةَ القانون في المملكة، فلا يكفي السحب أو التصديق وحده،
بل تُكلف الأفعال الاحتيالية حوله جزاءً جنائيًا. لذا، فإن معرفتك لحقوقك القانونية والتزاماتك عند التعامل بالشيكات أمرٌ ضروري. في شركة المشورة للمحاماة نؤمن بأن كل حق مالي يحتاج إلى حماية قانونية حازمة.
إذا كنت تواجه أزمة في التعاملات المالية سواء كنت صاحب حق أو مديناً فنحن نمتلك الخبرة القانونية لحل القضايا المتعلقة المختلفة.
تواصل معنا لتقديم الاستشارة المتخصصة ومتابعة الإجراءات اللازمة لحماية حقوقك ومستحقاتك المالية.